كتاب مدارس الادب المقارنكتب الأدب

كتاب مدارس الادب المقارن

إنّ الذي يُقصَدُ عادة من مصطلح الأدب المقارن هو: دراسة العلاقات بين آداب الشعوب المختلفة بالنظر إلى القوميّة من حيث تأثّرها وتأثيرها، أو ربّما يعني ذلك العِلم أو النوع من الدراسة الذي يحاول تخطّي الحدود القوميّة والجغرافيّة لمعرفة ما عِندَ الآخرينَ من آداب أصيلة لهم وآداب قد أخذوها عن غيرهم.[١] بينما يرى الدكتور حسام الخطيب أنّ مصطلح الأدب المقارن بحدّ ذاته هو مصطلحٌ مُخاتلٌ لا يدلّ على المعنى الذي يدلّ عليه هذا النوع من الدراسات، ولكن لأنّ اسم الأدب المقارن صارَ مشهورًا وهو أسلس الأسماء المُقترحة صار اسمًا على هذا النوع من الدراسات، وله أربعة مفاهيم لعلّ أقربها لما هو معروف اليوم هو مفهوم التأثّر والتأثير الذي مرّ تعريفه آنفًا.[٢] ذلك الاختلاف في إيجاد تعريف جامع مانع للأدب المقارن يعود إلى نشأة الأدب المقارن وتطوره منذ ظهوره في القرن التاسع عشر، ومفهوم الأدب المقارن عند محمد غنيمي هلال رائد الأدب المقارن عربيًّا -الذي وضّحه في كتابه الأشهر الأدب المقارن- هو دراسة مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها الأصليّة المختلفة، وفي الصلات المعقدة بينها في الحاضر والماضي، وكذلك دراسة الصلات التاريخية من حيث التأثّر والتأثير بين تلك الآداب بمختلف أشكالها، ويُلاحَظ من تعريف غنيمي هلال تركيزه هو ومن جاء بعده ومن كان قبله على ظاهرة التأثير والتأثر في الأدب المقارن؛ لأنّها كانت وما تزال عماد الدراسات المقارنة.[٣] منذ ظهور الأدب المقارن أوّل مرة في فرنسا في القرن التاسع عشر وإلى اليوم ظهرت ثلاث مدارس للأدب المقارن وضَعَت بصمتها في هذا الميدان وما يزال العالم أجمع يستعين بتلك المدارس عندما يريد إقامة دراسة مُقارِنة، وتلك المدارس هي: الأمريكيّة والفرنسيّة والسلافيّة.[٤] منذ دخول الأمريكان عالم الأدب المقارَن فإنّهم أبدَوا رفضًا شديدًا للتقيّد بالمبادئ التي أقرّها الفرنسيّون للأدب المقارن، فوسّعوا باب الأدب المقارن وأدخلوا فيه نزعات مختلفة عالميّة وفنيّة وأدبيّة خالصة، ومن هنا ينبغي أن تؤخذ النظريّة الأمريكية للأدب المُقارَن بجَديّة كبيرة لأنّ الأمريكيّين قد قدّموا حلولًا ذات قيمة في الأدب المقارن من جهة، ولأنّهم قد زاحموا الفرنسيّين على زعامة هذا الفن الذي بقي الفرنسيّون مسيطرين عليه حتى ظهور الأمريكان في ستينيّات القرن الماضي، فأبدى الأمريكان اهتمامًا فائقًا في الأدب المقارن وأعطوه تنظيمًا من ناحية الدراسة جعلهم يُطيحون بالفرنسيّين شيئًا فشيئًا.[٥] لعلّ هذا التصاعد الهائل في الوتيرة الإنتاجيّة عند الأمريكان يعود إلى سببين رئيسَين هما: ضخامة الإمكانيّات التي تضعها الجامعات الأمريكيّة بين أيدي الباحثين من إمكانيّات ماليّة إلى تسهيلات مكتبيّة إلى فرق بحث مشتركة وغير ذلك، والرغبة الخفيّة لدى القائمين على الجامعات الأمريكيّة في فتح نوافذ تلك الجامعات على نتاج الآداب العالميّة؛ لأنّ ذلك المجتمع كان غارقًا في مشكلاته، ضعيف التأثّر بما يجري حوله في العالم.[٥] لقد تأثّر الأمريكان بالفرنسيّين في الدراسات المقارنة وأخذوا عنهم مفهوم الأدب المقارن ودرّسوه في جامعاتهم، ولكن كان لدى الأمريكان أفكار جديدة تبلورت عندهم غير التي أخذوها عن الفرنسيين، وقد ظهرت بعض تلك الأفكار في كتاب مُشترك ألّفه اثنان من أعلام الأدب المقارن الأمريكي هما: رينيه ويليك وأوستن وارين، وكان اسم الكتاب "نظريّة الأدب المقارن"، وقد تبلورت هذه الآراء أكثر فأكثر من خلال المؤتمرات التي قد عُقِدَت من أجل الأدب المقارن عام 1959م و1976م، وقد أسهَمَ ويليك كثيرًا في بناء المدرسة الأمريكية للأدب المقارن، ولكنّه لم يكن وحده، فقد كان إلى جانبه المُقارِن الأمريكي من أصول ألمانيّة هنري ريماك.[٥] بعد انشغال ويليك في تخصّصه النقد والتاريخ تابعَ ريماك الطريق وحيدًا ووضع أسس المدرسة الفرنسيّة في الأدب المقارن، فبعد أسس التفكير التي وضعها رينيه ويليك استطاع ريماك أن يوجد مدرسة أمريكيّة ذات طابع مميّز ودافع عن هذا الطابع من خلال إسهاماته النظرية والتطبيقية، ومشاركاته الكثيرة في مؤتمرات الأدب المقارن ولا سيّما نشاطات رابطة الأدب المقارن.[٥] يرى الأمريكان أنّ الأدب المقارن هو دراسة الأدب خلف حدود بلد معيّن، ودراسة العلاقة بين هذا الأدب من جهة ومناطق أخرى من الاعتقاد والمعرفة من جهة أخرى، كالفنون من نَحتٍ ورسمٍ وموسيقا وعمارة وغير ذلك، وكالتاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعيّة من سياسةٍ واجتماعٍ واقتصاد وغير ذلك، فيمكن إجمال ما سبق والقول إنّ الأدب المقارن كما يراه الأمريكيّون هو مقارنة أدب مع أدب آخر أو آداب أخرى، وأيضًا هو مقارنة الأدب مع مناطق أخرى من التعبير الإنساني.[٦] المدرسة الفرنسيّة للأدب المقارن تنقسم في حقيقتها قسمَين: قديمة وحديثة، فأمّا القديمة فتعود إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر حينما ظهر مصطلح الأدب المقارَن أوّل مرّة في العالم بفضل جهود فرانسوا آبل فيلمان، وقال بعضهم بل سبقه بذلك معاصره جان جاك أمبير، وقد بدأت المدرسة الفرنسية القديمة بالتبلور على يد فيلمان؛ إذ كان أبرز أعلامها، بالإضافة إلى برونتيير وتلميذه الذي كان يدعى جوزيف تكست وغيرهم[٧]، ومن الأُسس التي قامت عليها المدرسة الفرنسيّة القديمة أو التقليديّة:[٨] المقارنة تكون بمقارنة أدب بأدبٍ فقط. المقارنة تكون بين أدبين اثنين أو أديبَين اثنَين. الصلات التاريخيّة هي شرط رئيس لعقد المقارنة. اختلاف لغة الآداب التي تُقارَن. أمّا فيما يخصّ المدرسة الفرنسيّة الحديثة للأدب المقارن فتعود نشأتها إلى النصف الثاني من القرن العشرين، وقد استوعب مؤسّسوها جميع مدارس الأدب المقارن وخرجوا بتصوّرٍ جديد يتناسب مع التطورات الجديدة والمعاصرة للدراسات التي تخص الأدب المقارن في العالم، وقد ألفوا كتابًا يوحّد آراءهم يدعى: ما الأدب المقارن؟ ومن أبرز أعلامها: بيير برونيل، كلود بيشوا، أندريه ميشيل روسوا.
الدكتور سعيد علوش - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مدارس الادب المقارن ❝ ❞ اشكالية التيارات والتاثيرات الادبية فى العالم العربي دراسة مقارنة ❝ ❞ اشكالية التيارات والتاثيرات الادبية فى الوطن العربي ❝ الناشرين : ❞ المركز الثقافي العربي ❝ ❱
من أدبية متنوعة - مكتبة كتب الأدب.

وصف الكتاب : إنّ الذي يُقصَدُ عادة من مصطلح الأدب المقارن هو: دراسة العلاقات بين آداب الشعوب المختلفة بالنظر إلى القوميّة من حيث تأثّرها وتأثيرها، أو ربّما يعني ذلك العِلم أو النوع من الدراسة الذي يحاول تخطّي الحدود القوميّة والجغرافيّة لمعرفة ما عِندَ الآخرينَ من آداب أصيلة لهم وآداب قد أخذوها عن غيرهم.[١] بينما يرى الدكتور حسام الخطيب أنّ مصطلح الأدب المقارن بحدّ ذاته هو مصطلحٌ مُخاتلٌ لا يدلّ على المعنى الذي يدلّ عليه هذا النوع من الدراسات، ولكن لأنّ اسم الأدب المقارن صارَ مشهورًا وهو أسلس الأسماء المُقترحة صار اسمًا على هذا النوع من الدراسات، وله أربعة مفاهيم لعلّ أقربها لما هو معروف اليوم هو مفهوم التأثّر والتأثير الذي مرّ تعريفه آنفًا.[٢] ذلك الاختلاف في إيجاد تعريف جامع مانع للأدب المقارن يعود إلى نشأة الأدب المقارن وتطوره منذ ظهوره في القرن التاسع عشر، ومفهوم الأدب المقارن عند محمد غنيمي هلال رائد الأدب المقارن عربيًّا -الذي وضّحه في كتابه الأشهر الأدب المقارن- هو دراسة مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها الأصليّة المختلفة، وفي الصلات المعقدة بينها في الحاضر والماضي، وكذلك دراسة الصلات التاريخية من حيث التأثّر والتأثير بين تلك الآداب بمختلف أشكالها، ويُلاحَظ من تعريف غنيمي هلال تركيزه هو ومن جاء بعده ومن كان قبله على ظاهرة التأثير والتأثر في الأدب المقارن؛ لأنّها كانت وما تزال عماد الدراسات المقارنة.[٣] منذ ظهور الأدب المقارن أوّل مرة في فرنسا في القرن التاسع عشر وإلى اليوم ظهرت ثلاث مدارس للأدب المقارن وضَعَت بصمتها في هذا الميدان وما يزال العالم أجمع يستعين بتلك المدارس عندما يريد إقامة دراسة مُقارِنة، وتلك المدارس هي: الأمريكيّة والفرنسيّة والسلافيّة.[٤]
منذ دخول الأمريكان عالم الأدب المقارَن فإنّهم أبدَوا رفضًا شديدًا للتقيّد بالمبادئ التي أقرّها الفرنسيّون للأدب المقارن، فوسّعوا باب الأدب المقارن وأدخلوا فيه نزعات مختلفة عالميّة وفنيّة وأدبيّة خالصة، ومن هنا ينبغي أن تؤخذ النظريّة الأمريكية للأدب المُقارَن بجَديّة كبيرة لأنّ الأمريكيّين قد قدّموا حلولًا ذات قيمة في الأدب المقارن من جهة، ولأنّهم قد زاحموا الفرنسيّين على زعامة هذا الفن الذي بقي الفرنسيّون مسيطرين عليه حتى ظهور الأمريكان في ستينيّات القرن الماضي، فأبدى الأمريكان اهتمامًا فائقًا في الأدب المقارن وأعطوه تنظيمًا من ناحية الدراسة جعلهم يُطيحون بالفرنسيّين شيئًا فشيئًا.[٥] لعلّ هذا التصاعد الهائل في الوتيرة الإنتاجيّة عند الأمريكان يعود إلى سببين رئيسَين هما: ضخامة الإمكانيّات التي تضعها الجامعات الأمريكيّة بين أيدي الباحثين من إمكانيّات ماليّة إلى تسهيلات مكتبيّة إلى فرق بحث مشتركة وغير ذلك، والرغبة الخفيّة لدى القائمين على الجامعات الأمريكيّة في فتح نوافذ تلك الجامعات على نتاج الآداب العالميّة؛ لأنّ ذلك المجتمع كان غارقًا في مشكلاته، ضعيف التأثّر بما يجري حوله في العالم.[٥] لقد تأثّر الأمريكان بالفرنسيّين في الدراسات المقارنة وأخذوا عنهم مفهوم الأدب المقارن ودرّسوه في جامعاتهم، ولكن كان لدى الأمريكان أفكار جديدة تبلورت عندهم غير التي أخذوها عن الفرنسيين، وقد ظهرت بعض تلك الأفكار في كتاب مُشترك ألّفه اثنان من أعلام الأدب المقارن الأمريكي هما: رينيه ويليك وأوستن وارين، وكان اسم الكتاب "نظريّة الأدب المقارن"، وقد تبلورت هذه الآراء أكثر فأكثر من خلال المؤتمرات التي قد عُقِدَت من أجل الأدب المقارن عام 1959م و1976م، وقد أسهَمَ ويليك كثيرًا في بناء المدرسة الأمريكية للأدب المقارن، ولكنّه لم يكن وحده، فقد كان إلى جانبه المُقارِن الأمريكي من أصول ألمانيّة هنري ريماك.[٥] بعد انشغال ويليك في تخصّصه النقد والتاريخ تابعَ ريماك الطريق وحيدًا ووضع أسس المدرسة الفرنسيّة في الأدب المقارن، فبعد أسس التفكير التي وضعها رينيه ويليك استطاع ريماك أن يوجد مدرسة أمريكيّة ذات طابع مميّز ودافع عن هذا الطابع من خلال إسهاماته النظرية والتطبيقية، ومشاركاته الكثيرة في مؤتمرات الأدب المقارن ولا سيّما نشاطات رابطة الأدب المقارن.[٥] يرى الأمريكان أنّ الأدب المقارن هو دراسة الأدب خلف حدود بلد معيّن، ودراسة العلاقة بين هذا الأدب من جهة ومناطق أخرى من الاعتقاد والمعرفة من جهة أخرى، كالفنون من نَحتٍ ورسمٍ وموسيقا وعمارة وغير ذلك، وكالتاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعيّة من سياسةٍ واجتماعٍ واقتصاد وغير ذلك، فيمكن إجمال ما سبق والقول إنّ الأدب المقارن كما يراه الأمريكيّون هو مقارنة أدب مع أدب آخر أو آداب أخرى، وأيضًا هو مقارنة الأدب مع مناطق أخرى من التعبير الإنساني.[٦]
المدرسة الفرنسيّة للأدب المقارن تنقسم في حقيقتها قسمَين: قديمة وحديثة، فأمّا القديمة فتعود إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر حينما ظهر مصطلح الأدب المقارَن أوّل مرّة في العالم بفضل جهود فرانسوا آبل فيلمان، وقال بعضهم بل سبقه بذلك معاصره جان جاك أمبير، وقد بدأت المدرسة الفرنسية القديمة بالتبلور على يد فيلمان؛ إذ كان أبرز أعلامها، بالإضافة إلى برونتيير وتلميذه الذي كان يدعى جوزيف تكست وغيرهم[٧]، ومن الأُسس التي قامت عليها المدرسة الفرنسيّة القديمة أو التقليديّة:[٨] المقارنة تكون بمقارنة أدب بأدبٍ فقط. المقارنة تكون بين أدبين اثنين أو أديبَين اثنَين. الصلات التاريخيّة هي شرط رئيس لعقد المقارنة. اختلاف لغة الآداب التي تُقارَن. أمّا فيما يخصّ المدرسة الفرنسيّة الحديثة للأدب المقارن فتعود نشأتها إلى النصف الثاني من القرن العشرين، وقد استوعب مؤسّسوها جميع مدارس الأدب المقارن وخرجوا بتصوّرٍ جديد يتناسب مع التطورات الجديدة والمعاصرة للدراسات التي تخص الأدب المقارن في العالم، وقد ألفوا كتابًا يوحّد آراءهم يدعى: ما الأدب المقارن؟ ومن أبرز أعلامها: بيير برونيل، كلود بيشوا، أندريه ميشيل روسوا.

للكاتب/المؤلف : الدكتور سعيد علوش .
دار النشر : المركز الثقافي العربي .
سنة النشر : 1987م / 1407هـ .
عدد مرات التحميل : 4728 مرّة / مرات.
تم اضافته في : الثلاثاء , 23 فبراير 2021م.
حجم الكتاب عند التحميل : 10.1 ميجا بايت .

ولتسجيل ملاحظاتك ورأيك حول الكتاب يمكنك المشاركه في التعليقات من هنا:

إنّ الذي يُقصَدُ عادة من مصطلح الأدب المقارن هو: دراسة العلاقات بين آداب الشعوب المختلفة بالنظر إلى القوميّة من حيث تأثّرها وتأثيرها، أو ربّما يعني ذلك العِلم أو النوع من الدراسة الذي يحاول تخطّي الحدود القوميّة والجغرافيّة لمعرفة ما عِندَ الآخرينَ من آداب أصيلة لهم وآداب قد أخذوها عن غيرهم.[١] بينما يرى الدكتور حسام الخطيب أنّ مصطلح الأدب المقارن بحدّ ذاته هو مصطلحٌ مُخاتلٌ لا يدلّ على المعنى الذي يدلّ عليه هذا النوع من الدراسات، ولكن لأنّ اسم الأدب المقارن صارَ مشهورًا وهو أسلس الأسماء المُقترحة صار اسمًا على هذا النوع من الدراسات، وله أربعة مفاهيم لعلّ أقربها لما هو معروف اليوم هو مفهوم التأثّر والتأثير الذي مرّ تعريفه آنفًا.[٢] ذلك الاختلاف في إيجاد تعريف جامع مانع للأدب المقارن يعود إلى نشأة الأدب المقارن وتطوره منذ ظهوره في القرن التاسع عشر، ومفهوم الأدب المقارن عند محمد غنيمي هلال رائد الأدب المقارن عربيًّا -الذي وضّحه في كتابه الأشهر الأدب المقارن- هو دراسة مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها الأصليّة المختلفة، وفي الصلات المعقدة بينها في الحاضر والماضي، وكذلك دراسة الصلات التاريخية من حيث التأثّر والتأثير بين تلك الآداب بمختلف أشكالها، ويُلاحَظ من تعريف غنيمي هلال تركيزه هو ومن جاء بعده ومن كان قبله على ظاهرة التأثير والتأثر في الأدب المقارن؛ لأنّها كانت وما تزال عماد الدراسات المقارنة.[٣] منذ ظهور الأدب المقارن أوّل مرة في فرنسا في القرن التاسع عشر وإلى اليوم ظهرت ثلاث مدارس للأدب المقارن وضَعَت بصمتها في هذا الميدان وما يزال العالم أجمع يستعين بتلك المدارس عندما يريد إقامة دراسة مُقارِنة، وتلك المدارس هي: الأمريكيّة والفرنسيّة والسلافيّة.[٤]
منذ دخول الأمريكان عالم الأدب المقارَن فإنّهم أبدَوا رفضًا شديدًا للتقيّد بالمبادئ التي أقرّها الفرنسيّون للأدب المقارن، فوسّعوا باب الأدب المقارن وأدخلوا فيه نزعات مختلفة عالميّة وفنيّة وأدبيّة خالصة، ومن هنا ينبغي أن تؤخذ النظريّة الأمريكية للأدب المُقارَن بجَديّة كبيرة لأنّ الأمريكيّين قد قدّموا حلولًا ذات قيمة في الأدب المقارن من جهة، ولأنّهم قد زاحموا الفرنسيّين على زعامة هذا الفن الذي بقي الفرنسيّون مسيطرين عليه حتى ظهور الأمريكان في ستينيّات القرن الماضي، فأبدى الأمريكان اهتمامًا فائقًا في الأدب المقارن وأعطوه تنظيمًا من ناحية الدراسة جعلهم يُطيحون بالفرنسيّين شيئًا فشيئًا.[٥] لعلّ هذا التصاعد الهائل في الوتيرة الإنتاجيّة عند الأمريكان يعود إلى سببين رئيسَين هما: ضخامة الإمكانيّات التي تضعها الجامعات الأمريكيّة بين أيدي الباحثين من إمكانيّات ماليّة إلى تسهيلات مكتبيّة إلى فرق بحث مشتركة وغير ذلك، والرغبة الخفيّة لدى القائمين على الجامعات الأمريكيّة في فتح نوافذ تلك الجامعات على نتاج الآداب العالميّة؛ لأنّ ذلك المجتمع كان غارقًا في مشكلاته، ضعيف التأثّر بما يجري حوله في العالم.[٥] لقد تأثّر الأمريكان بالفرنسيّين في الدراسات المقارنة وأخذوا عنهم مفهوم الأدب المقارن ودرّسوه في جامعاتهم، ولكن كان لدى الأمريكان أفكار جديدة تبلورت عندهم غير التي أخذوها عن الفرنسيين، وقد ظهرت بعض تلك الأفكار في كتاب مُشترك ألّفه اثنان من أعلام الأدب المقارن الأمريكي هما: رينيه ويليك وأوستن وارين، وكان اسم الكتاب "نظريّة الأدب المقارن"، وقد تبلورت هذه الآراء أكثر فأكثر من خلال المؤتمرات التي قد عُقِدَت من أجل الأدب المقارن عام 1959م و1976م، وقد أسهَمَ ويليك كثيرًا في بناء المدرسة الأمريكية للأدب المقارن، ولكنّه لم يكن وحده، فقد كان إلى جانبه المُقارِن الأمريكي من أصول ألمانيّة هنري ريماك.[٥] بعد انشغال ويليك في تخصّصه النقد والتاريخ تابعَ ريماك الطريق وحيدًا ووضع أسس المدرسة الفرنسيّة في الأدب المقارن، فبعد أسس التفكير التي وضعها رينيه ويليك استطاع ريماك أن يوجد مدرسة أمريكيّة ذات طابع مميّز ودافع عن هذا الطابع من خلال إسهاماته النظرية والتطبيقية، ومشاركاته الكثيرة في مؤتمرات الأدب المقارن ولا سيّما نشاطات رابطة الأدب المقارن.[٥] يرى الأمريكان أنّ الأدب المقارن هو دراسة الأدب خلف حدود بلد معيّن، ودراسة العلاقة بين هذا الأدب من جهة ومناطق أخرى من الاعتقاد والمعرفة من جهة أخرى، كالفنون من نَحتٍ ورسمٍ وموسيقا وعمارة وغير ذلك، وكالتاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعيّة من سياسةٍ واجتماعٍ واقتصاد وغير ذلك، فيمكن إجمال ما سبق والقول إنّ الأدب المقارن كما يراه الأمريكيّون هو مقارنة أدب مع أدب آخر أو آداب أخرى، وأيضًا هو مقارنة الأدب مع مناطق أخرى من التعبير الإنساني.[٦]
المدرسة الفرنسيّة للأدب المقارن تنقسم في حقيقتها قسمَين: قديمة وحديثة، فأمّا القديمة فتعود إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر حينما ظهر مصطلح الأدب المقارَن أوّل مرّة في العالم بفضل جهود فرانسوا آبل فيلمان، وقال بعضهم بل سبقه بذلك معاصره جان جاك أمبير، وقد بدأت المدرسة الفرنسية القديمة بالتبلور على يد فيلمان؛ إذ كان أبرز أعلامها، بالإضافة إلى برونتيير وتلميذه الذي كان يدعى جوزيف تكست وغيرهم[٧]، ومن الأُسس التي قامت عليها المدرسة الفرنسيّة القديمة أو التقليديّة:[٨] المقارنة تكون بمقارنة أدب بأدبٍ فقط. المقارنة تكون بين أدبين اثنين أو أديبَين اثنَين. الصلات التاريخيّة هي شرط رئيس لعقد المقارنة. اختلاف لغة الآداب التي تُقارَن. أمّا فيما يخصّ المدرسة الفرنسيّة الحديثة للأدب المقارن فتعود نشأتها إلى النصف الثاني من القرن العشرين، وقد استوعب مؤسّسوها جميع مدارس الأدب المقارن وخرجوا بتصوّرٍ جديد يتناسب مع التطورات الجديدة والمعاصرة للدراسات التي تخص الأدب المقارن في العالم، وقد ألفوا كتابًا يوحّد آراءهم يدعى: ما الأدب المقارن؟ ومن أبرز أعلامها: بيير برونيل، كلود بيشوا، أندريه ميشيل روسوا.

الادب- الادباء- ادبية متنوعة- دراسات ادبية- الادب المقارن-مدارس



نوع الكتاب : pdf.
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل مدارس الادب المقارن
الدكتور سعيد علوش
الدكتور سعيد علوش



كتب اخرى في أدبية متنوعة

كيف تحصل دائما على ماتريد PDF

قراءة و تحميل كتاب كيف تحصل دائما على ماتريد PDF مجانا

بم يفكر الادب؟ PDF

قراءة و تحميل كتاب بم يفكر الادب؟ PDF مجانا

المنهج الاسلوبى فى النقد الادبي PDF

قراءة و تحميل كتاب المنهج الاسلوبى فى النقد الادبي PDF مجانا

50 حديث للحفظ والفهم اسرية- ادبية - توجيهية PDF

قراءة و تحميل كتاب 50 حديث للحفظ والفهم اسرية- ادبية - توجيهية PDF مجانا

هجرة النصوص دراسات فى الترجمة الادبية والتبادل الثقافى PDF

قراءة و تحميل كتاب هجرة النصوص دراسات فى الترجمة الادبية والتبادل الثقافى PDF مجانا

كيف نتعلم اللغات PDF

قراءة و تحميل كتاب كيف نتعلم اللغات PDF مجانا

من أسرار القرآن الكريم PDF

قراءة و تحميل كتاب من أسرار القرآن الكريم PDF مجانا

اشكالية التيارات والتاثيرات الادبية فى الوطن العربي PDF

قراءة و تحميل كتاب اشكالية التيارات والتاثيرات الادبية فى الوطن العربي PDF مجانا

المزيد من كتب الأدب في مكتبة كتب الأدب , المزيد من كتب الأدب في مكتبة كتب الأدب , المزيد من دواوين شعر في مكتبة دواوين شعر , المزيد من كتب الادب والتراث في مكتبة كتب الادب والتراث , المزيد من كتب الادب الانجليزى في مكتبة كتب الادب الانجليزى , المزيد من أدبية متنوعة في مكتبة أدبية متنوعة , المزيد من كتب الادب الفرنسى في مكتبة كتب الادب الفرنسى , المزيد من كتب النقد الأدبي في مكتبة كتب النقد الأدبي , المزيد من الشعر العربى في مكتبة الشعر العربى
عرض كل كتب الأدب ..
اقرأ المزيد في مكتبة كتب إسلامية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تقنية المعلومات , اقرأ المزيد في مكتبة المناهج التعليمية والكتب الدراسية , اقرأ المزيد في مكتبة القصص والروايات والمجلّات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الهندسة والتكنولوجيا , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب والموسوعات العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب تعلم اللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التنمية البشرية , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب التعليمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب التاريخ , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأطفال قصص ومجلات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الطب , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب العلمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم سياسية وقانونية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأدب , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الروايات الأجنبية والعالمية , اقرأ المزيد في مكتبة كتب اللياقة البدنية والصحة العامة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب الأسرة والتربية الطبخ والديكور , اقرأ المزيد في مكتبة الكتب الغير مصنّفة , اقرأ المزيد في مكتبة كتب المعاجم واللغات , اقرأ المزيد في مكتبة كتب علوم عسكرية و قانون دولي
جميع مكتبات الكتب ..